كان وما يزال للكلمة أثر كبير في تحديد إتجاهات الرأي العام بأتجاه أهداف وغايات محددة وقد عدّ البعض حرب الكلمة من أشد وظائف أجهزة الاعلام ضراوة وعنفا .
ومثلما أختلف الباحثون في تحديد تعريف واضح ومحدد لحرب الكلمة أو ما يصطلح عليه البعض الحرب النفسية أختلفوا أيضا في وضع تعريف للرأي العام .
المهم أن الأنسان أستخدم ومنذ القدم أساليب ووسائل متعددة للسيطرة على أفكار ومعنويات غيره وتسخيرهم وفق مشيئته،ومن يتصفح كتب التأريخ يجد الكثير من الوقائع التي تدل على ذلك, فالحرب النفسية أو حرب الكلمة حقيقة قديمة وهي موجودة منذ أن وجد الصراع البشري ولكنها كمصطلح لم يظهر الاّ بعد الحرب العالمية الثانية .
يقول نابليون بونابرت عن معنى قوة الكلمة ( انني أرهب صرير القلم أكثر من دوي المدافع ) وكان إيمانه القوي في ما للكلمة من مفعول كتب في عام 1796 م يوم كان قائداً عاماً لجيشه في إيطاليا ( من المستحسن أن لا يتعرض الصحفيون لملك سردينية وأن لاينشروا عنه سخافات بعيدة عن الواقع ، هناك شطحات قلّم ترتكز على إشاعات خاطئة تسيئ إلينا وتخلق لنا الاعداء من حيث لانريد كما يقول الصهيوني ( مناحيم بيغن ) في أحد مؤلفاته ( يجب أن نعمل ولنعمل بسرعة فائقة قبل أن يستفيق العرب من سباتهم فيطلعوا على وسائلنا الدعائية فاذا أستفاقوا ووقعت بأيديهم تلك الوسائل وعرفوا دعامتها وأسسها فعندئذ سوف لا تفيدنا مساعدات أمريكا وتأييد بريطانيا وصداقة ألمانيا عندها سنقف أمام العرب وجهاً لوجه مجردين من أفضل أسلحتنا ) .
لقد تطورت وسائل الاعلام بشكل كبير خاصة منذ بداية عقد تسعينات القرن العشرين وكان هذا التطور جزءاً من تطور أشمل وأعم طرأ على خارطة العالم كله في ظل النظام الدولي الجديد وسطوة القطب الواحد بعد إنهيار الاتحاد السوفيتي السابق .
تعريفات عامة
أشتد الخلاف بين خبراء الاعلام والدعايه في تحديد مفهوم كلمة الحرب النفسية ولم يتوصلوا ويتفقوا لحد الان الى وضع تعريف دقيق وشامل لهذا المصطلح الذي تطور خلال وبعد الحرب العالمية الثانية حتى غدت في المقدمة الاسلحة التي تتحارب فيها الدول فيما
بينها ,ويأتي هذا الاختلاف بالأراء من كون حرب الكلمة غير محددة النشاط والمجال والوسائل أضافة الى كونها لا تستند على قواعد علمية ثابتة في ميدان عملها حالها في ذلك حال الدعاية السياسية وقد أطلق الأعلاميون على حرب الكلمة مصطلحات وتسميات أخرى عديدة منها الحرب النفسية هي أكثر شيوعاً من بقية التسميات وغسل الدماغ ، وحب المعتقد ، والحرب الباردة والحرب السياسية ، وحرب الاعصاب ، ولكن كل هذه المصطلحات تعني جميعها مفهوماً واحداً .
لقد عرف الاخصائيون الحرب النفسية بأنها الاستخدام المدبر لفعاليات معينة معدة للتأثير على أراء وسلوك مجموعة من البشر بهدف تغير نهج تفكيرهم وهي تشمل بمعناها الواسع أستخدام علم النفس لخدمة الهدف بأساليب الدعاية والاشاعة والمقاطعة الاقتصادية والمناورة السياسية وتعتبر أقل الاسلحة كلفة اذا ما أحسن إستخدامها ولا يقتصر أستخدامها في وقت الحرب فقط بل هي عملية مستمرة ، كما لايمكن معرفة نتائجها الا بعد أشهر أو ربما سنين كما يرى بعض خبراء الاعلام والدعاية إنها إستخدام مخطط من جانب دولة أو مجموعة من الدول للدعاية وغيرها من الاجراءات الاعلامية الموجهة الى جماعات عدائية أو محايدة أو صديقة للتأثير على أرائها وعواطفها ومواقفها وسلوكها وطريقة تسهم في تحقيق سياسة وأهداف الدولة أو الدول المستخدمة الحرب النفسية، ولقد بذل بول لينباجر وهو من الرواد الذين كتبوا في مجال الحرب النفسية جهوداً واضحة للوصول الى تعريف جامع شامل فقال : إنها إستخدام الدعاية ضد العدو مع إجراءات عملية أخرى ذات طبيعة عسكرية واقتصادية أو سياسية بما تتطلبه الدعاية ويضيف ( إنها تطبيق لبعض أجزاء علم النفس لمعاونة المجهودات التي تبذل في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية ) .
والان بعد ان تناولنا بعض تعاريف الحرب النفسية لابد أن نأتي الى مفهوم ( الرأي العام ) الذي يشكل طرف المعادلة الاخر في هذه الحرب .
وبمثل ما أختلف العلماء في تحديد مفهوم الحرب النفسية فأنهم لم يتفقوا ايضاً على وضع مفهوم ثابت للرأي العام كما تشير الى ذلك أ.د حميدة سميسم والتي حددت تعريفه بأنه ( الرأي السائد الذي ينبع من الافراد وغايته الجماعة ( الجماهير ) بعد السؤال والاستفهام والنقاش تعبيراً عن الارادة والوعي أتجاه أمر ما في وقت معين ، ويشترط موافقته للشريعة والسير في حدودها من أجل تنظيم العلاقة بين الحاكم والمحكوم وترتبط أتجاهاته بالولاء القومي والوطني والديني بافراد الامة ) . واذا كان هذا التعريف يحرص على تنظيم العلاقة بين الحاكم والمحكوم ويربط الرأي العام بمرجعيات مختلفة مثل الدين والقومية والوطن وما الى ذلك , فأن تعريفا لباحث آخر قد يقربنا الى المفهوم اكثر ، وهذا التعريف يرى انه اذا كان الرأي العام يمثل وجهة نظر الاغلبية إتجاه قضية معينة وعامة وفي زمن معين تهم الجماهير وتكون مطروحة للنقاش والجدل للبحث عن حل يحقق الصالح العام فأن أركان هذه الظاهرة تتمحور حول النقاط التالية :-
1- وجهة نظر الاغلبية .
2- قضية عامة معينة تهم غالبية المجتمع .
3- زمن معين .
4- قضية مطروحة للنقاش .
ولعل ربط المفهوم الشرقي للرأي العام بينه وبين المصلحة العامة التي قد تعني مصلحة الحاكم أياً كان سواء سلطة سياسية أو دينية أو غيرها فأن المفهوم الغربي يعرف الرأي العام ، إنه يوجد في كل آونة معينة مجموعة من الاعتقادات والقناعات والمشاعر والمبادئ المعترف بها وقوية الجذور والتي إذا اجتمعت ألفت الرأي العام لفترة مستقلة وهذا ما يمكن أن نسميه بتيار ( الرأي العام المنتشر أو السائد ) ، فالرأي العام هو التعبير حول نقطة متنازع عليها بمعنى انه لايوجد الاّ اذا وجد رأي عام آخر مقابله أي حيث ما يكون هناك نزاع ، لأن الرأي العام هو الآراء الفردية الناجمة عن التفاعل حول قضية معينة داخل جماعة معينة .
ومع الأقرار بأن الرأي العام ليس رأي الشعب كله بل رأي الفئة المتفوقة منه التي يرى البعض إن الطبقة الوسطى تمثلها ، فأن الرأي العام يتداخل مع مفاهيم متعددة مثل الأتجاه والسلوك والعاطفة والعقيدة والحكم مما يخلق نوعاً من الالتباس الذي لابد من فكه كما أن هناك تداخلاً موضوعياً ومنهجياً بين الجمهور والرأي العام مما حدا بالباحثين والمختصين في مجالات السياسة والاجتماع والاعلام ان يفرقوا بين الاطار العام للجمهور بأعتباره يضم الغالبية الصامتة فضلاً عن الاقلية النشطة المشاركة في صنع الاحداث والقادرة على التعبير عن آرائها ، وبين الاطار الخاص الذي يضم الافراد المشاركين في صنع الرأي العام ويقتصر على هؤلاء الذين يجمعهم الادراك المشترك بوحدة مصالحهم ، وتحركهم الاراء والمواقف وهم يشكلون القطاعات النشطة من الجمهور .
الاهداف والادوات :
يمكن إجمال أهداف الحرب النفسية بأتباع سياسة آيديولوجية ومعنوية والعمل على توسيع وقيادة عملية التأثير على الجماعة سواء في الحرب أو السلم من خلال أستخدام وسائل التأثير على معنويات وأخلاق المواطنين .
وقد حدد البروفسور رجيارداكروس الذي كان يشغل رئاسة الحرب النفسية في بريطانيا خلال الحرب العالمية الثانية أهم أهداف هذه الحرب بالتالي :-
1- تحطيم قيم وأخلاقيات الشعب الذي توجه اليه الحرب النفسية .
2- إرباك نظرته السياسية وقتل كافة معتقداته ومثله التي يؤمن بها .
3- إعطاؤه الدروس الجديدة ليؤمن بعد ذلك بكل مانؤمن به
أجراء عملية غسل دماغ .
4- زيادة شقة الخلاف بين الحكومات وشعبها .
5- غرس بذور الفرقة بين أبناء الشعب .
وقد قسم عدد من الباحثين الحرب النفسية الى عدة أقسام رئيسية منها :
السوقية والتعبوية والحرب المعززة للمعنويات التي تتوجه نحو السكان المدنيين لضمان الحصول على تعاونهم الوثيق .
وسنركز هنا على قسم الحرب المعززة للمعنويات كونه يختص ويتوجه كما قلنا نحو السكان المدنيين .
فلقد حددت الدراسات المتعلقة العوامل التي تساعد مثل هذا القسم من الحرب ( الحرب المعززة للمعنويات ) على بلوغ أهدافها بما يلي :
1- الاندحارات العسكرية التي تجعل سكان البلد المندحر مستعدين نفسياً لقبول أية دعاية .
2- إقتراب نهاية الحرب وبما يدفع السكان للأخذ بتوجيهات قطاع الاحتلال .
إن الحرب النفسية تقوم على أساس إثارة الدوافع التي تختلج في أعماق المواطنين أثناء الحرب أو عند تعرضهم للمصاعب والتهديد المستمر بالدمار وهي تسعى الى تحطيم معنوياتهم وبالتالي تهيأتهم نفسياً لقبول أية فكرة ثم تشجيعهم على تنفيذها ، واخيراً مساعدتهم على تحقيقها.
لقد أعتمدت الحرب النفسية أساليب وصيغا مختلفة إلا إنها تتداخل مع بعضها البعض لتصل بالنهاية الى تحقيق غرضها ومن أهم هذه الاساليب :
الدعاية
لغرض ترويج معلومات وأراء وفق تخطيط معين بقصد التأثير على عقول ومشاعر وأعمال مجموعة معينة من البشر لغرض معين وهي أحد أسلحة الحرب النفسية الفتاكة مما حفز الدول على التفنن في كيفية إستخدامها . ويتفاوت غرض اللجوء اليها في السلم عنه في الحرب ، ففي السلم يستهدف من الدعاية الدعوة لمناصرة قضية أو عقيدة معينة وتثبيط عزيمة الاعداء في عرقلة تنفيذ البرامج السياسية للحكومة أما في الحرب فانها تستهدف إدامة معنويات السكان وتهيأتهم نفسياً لقبول فكرة الحرب وما يترتب عليها وما ينجم عليها من ويلات إضافة الى تثبيط عزيمة العدو ومحاولة التأثير على الدول المحايدة ولابد هنا من الاشارة الى ان الدعاية تشمل كل وسائل الاتصال الجماهيري وهي في الوقت الحاضر الفضائيات والاذاعات والصحف والانترنيت ........الخ
الاشاعة
يصنف علماء النفس الاشاعات الى ثلاثة أصناف رئيسية هي إشاعة الخوف ،وإشاعة الأمل،وإشاعة الحقد مع التأكيد من إن الاشاعة تسري في جسد الشعب الضعيف الاعصاب كسريان النار في الهشيم.
الضغوط الاقتصادية
وتمارس بطرق متعددة منها الحصار الاقتصادي والمقاطعة الاقتصادية بهدف منع وصول الاطعمة والمواد الضرورية وتجميد إمكانيات البلد الانتاجية وبما يؤدي الى الجوع والحرمان الذي من شأنه أن يخلق أزمات نفسية ونقمة متزايدة .
المناورة السياسية التي تتكامل فعاليتها وترتبط بالعوامل السابقة التي تم ذكرها كالدعاية والاشاعة ، وتبرز المناورة السياسية بشكل خاص وقت السلم وبمظاهر متعددة منها التهديد المستمر بالحرب كالتهديد الذي مارسه هتلر منذ عام 1936الذي جعل تيشكوسلوفاكيا آنذاك تتنازل عن منطقة السويدات دون أن تطلق طلقة واحدة إضافة الى أساليب أخرى تعتمد على التلويح بأستخدام القوة.
الاعمال العسكرية الرادعة
وتأتي استكمالاً لأقسام الحرب النفسية الاخرى وتأخذ أشكالا متعددة منها شن الغارات الجوية والحركات الاستنزافية وإستخدام الاسلحة بكل انواعها .
كيف نواجه الحرب النفسية ؟
إن مواجهة عملية وناجحة لمجابهة أية حرب نفسية يتعرض لها بلد ما تتطلب إستخدام وسائل فاعلة يمكن إجمال أبرزها بمايلي :-
أولا :
مكافحة نشاط الجماعات المعادية في الداخل أو ما أصطلح على تسميته بالرتل الخامس حيث ظهر هذا التعبير خلال الحرب الاهلية الاسبانية عندما قال الجنرال (مولا ) أحد قادة فرونكو ( إن أربعة أرتال تتقدم على مدريد للاستيلاء عليها ولكن هناك رتلاً خامساً كاملاً داخل المدينة له القابلية على إنجاز ما لا يستطيع أي رتل انجازه ) . والرتل الخامس سلاح فعال مهمته تحطيم كيان الامم من الداخل بإضعافها وتفتيت شملها بالاشاعات والاراجيف لاثارة الفزع بين صفوف المواطنين وأثارة النعرات القومية والطائفية والعرقية بينهم والقيام بأعمال الشغب والتخريب التي تخلق الفوضى.
إن مثل هذا النوع ينبغي مواجهته بشدة وصرامة وإتخاذ التدابير اللازمة لوقف نشاطه بالتنسيق مع فعاليات الحرب النفسية الأخرى وفي مقدمتها الاعلام الذي تقع عليه مسوؤلية كبيرة بالكشف عن أهداف العدو أمام الرأي العام المحلي والعالمي كوسيلة من وسائل الدعاية المضادة اضافة الى اعتماد مايلي :-
1- وجود منهاج توعية شامل يستهدف تنمية الشعور بالمسؤولية لدى المواطنين مع توضيح دقيق للدورالخطير للمجموعات المعادية وإيضاح وسائلهم وأساليبهم التخريبية .
2- تحقيق الوحدة الوطنية المتماسكة وقطع الطريق على محاولات زرع بذور الفرقة وقد أثبتت الأحداث في العالم وفي العراق بعد أحداث 2003 إن الشعب المفكك الاواصر يكون خير مرتع للاعداء ومهما كانت تسمياتهم .
3- إتخاذ تدابير كفوءة لمواجهة الاشاعة من أهمها إطلاع الشعب بشكل صادق على ما يجري بعيداً عن أساليب الخداع والمراوغة التي سرعان ما يكتشفها الشعب .
4- وضع سياسة إعلامية وطنية موحدة للشعب والتحذير من محاولات إشاعة عوامل الفرقة والتناحر بين أبناء الوطن الواحد والتصدي لمثل تلك المخططات التي تسهل للاعداء تحقيق مآربهم .
5- مد جسور الثقة بين الشعب والسلطة وتعميقها والتواصل الحقيقي مع المواطنين والاستماع الى شكاواهم وآرائهم ومناقشتها معهم .
ثانياً :- إتخاذ تدابير عملية للاعتماد على علم النفس والاجتماع والسياسة والسوق العسكري لمجابهة ما يخطط له العدو حالياً ومستقبلاً وهذا يتطلب دراية ومعلومات واسعة عن الجانب الآخر (العدو) يمكن استحصالها من خلال مواطني البلد في الخارج .
هشام السويسى
الأربعاء 21 يناير 2015, 7:53 am من طرف ركن الخليج
» نشطاء يهاجمون "حجازى" لتقبيله يد "مرسى" وينشرون فتوى أنها فعل مكروه
السبت 30 يونيو 2012, 9:44 pm من طرف Admin
» قال إن "مرسى" لا يملك إلغاء الإعلان المكمل.. وكيل القضاة: ستهدر أحكام القضاء إذا قرر الرئيس إعادة البرلمان
السبت 30 يونيو 2012, 8:44 pm من طرف Admin
» ضاحي خلفان: 1500مكالمة تهديد من جماعة الإخوان وصلتني .. وهذا يعنى أننا أمام تنظيم إجرامي
السبت 30 يونيو 2012, 7:54 pm من طرف Admin
» رسالة الى مرسي: طول ما انا عاطل انت باطل
السبت 30 يونيو 2012, 7:48 pm من طرف Admin
» الداخلية: ضبط 138 صاروخ أرض أرض و139رأس صاروخ مفجر
السبت 30 يونيو 2012, 4:16 am من طرف Admin
» ضبط 2639 طلقة مدفعية عيار 14,5 مم
السبت 30 يونيو 2012, 4:11 am من طرف Admin
» الاعتداء على أعضائها.. "مستمرون" تنسحب من ميدان التحرير
السبت 30 يونيو 2012, 4:04 am من طرف Admin
» مدير حملة "لازم حازم" يطالب مرسى بإلغاء الإعلان الدستورى وعودة البرلمان
السبت 30 يونيو 2012, 3:54 am من طرف Admin